الصحافة

قضية اغتيال كمال جنبلاط تفتح من جديد؟ ...وأخيرا يا حويجة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

عندما فكّر رئيس النظام السوري حافظ الأسد باغتيال رئيس "الحركة الوطنية" و"الحزب التقدمي الاشتراكي"، وزعيم الدروز في لبنان، لم يفكّر في ردّ فعل الدروز في الجولان والسويداء وفي بعض أنحاء سوريا الأخرى حيث يعيشون. عام 1977 كانت سوريا تخضع للأسد ولم تكن تشبه سوريا اليوم المهدّدة بالتفكك والفوضى والحرب الأهلية. رفض الأسد الإقرار بمسؤوليته عن اغتيال جنبلاط. بعد اعتقال السلطات الجديدة في دمشق اللواء إبراهيم حويجة، المتهم بالإشراف على عملية الاغتيال وبتنفيذها، تبدأ سلسلة من الأسئلة التي تبحث عن إجابات ليس من أجل وضع حد للإفلات من العقاب فقط، بل من أجل معرفة حقائق كان سيطويها الزمان والنسيان.

مساء السادس من آذار الحالي قفز إلى الواجهة خبر اعتقال اللواء إبراهيم حويجة رئيس المخابرات الجوية السورية بين العامين 1995 و2002. بعد سقوط النظام الذي أرساه حافظ الأسد في سوريا عام 1970 وفرار وريثه بشار إلى موسكو، سرت تساؤلات كثيرة حول مصير رموز النظام الذين تولّوا مسؤوليات أمنية وعسكرية ولم يتسنَّ لهم أن يهربوا خارج سوريا. لم يسمح الوقت للأسد الابن بتحذير أقرب المقرّبين إليه بعد لجوئه إلى قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية على بعد نحو 4 كلم من مدينة جبلة التي تمّ فيها اعتقال الحويجة، الذي تكاد لا توجد صورة له إلا واحدة نشرها سفير الأسد السابق لدى الأردن، اللواء بهجت سليمان، في شاطئ مدينة جبلة بريف اللاذقية الجنوبي.

تركه الأسد ورحل

لم يتصور الحويجة في يوم من الأيام أنه سيخضع للمحاسبة والتحقيق. اعتقد أن النظام الذي كان يخدمه أبدي وأن حمايته مؤمَّنة من استمرار هذا النظام على رغم أنّه استُبعد منذ العام 2002 من المسؤوليات، ولكنه كان قدّم كل ما يستطيع تقديمه لخدمة هذا النظام، ولم يكن اغتيال كمال جنبلاط إلا واحدة من تلك الخدمات.

في مثل اليوم الذي اعتقل فيه الحويجة قبل 48 عاماً، كان ذلك الضابط السوري بدأ يدير عملية تنفيذ الاغتيال من خلال استقدام السيارة التي ستستخدم في العملية مع المسلحين الذين سينفذونها إلى بيروت. وكان كمال جنبلاط قد أصبح مشروع "شهيد".

عندما وصل رئيس السلطة الانتقالية أحمد الشرع إلى القصر الجمهوري في دمشق وجلس على كرسي الرئاسة التي كان يجلس عليها بشار الأسد، قصده الرئيس السابق لـ "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، ابن كمال جنبلاط ووريثه في الزعامة الدرزية التي تبدأ في قصر المختارة وتتمدد باتجاه دروز سوريا وفلسطين والأردن. طلب موعداً فتحدّد له ويمّم شطر الشام في 22 كانون الأول الماضي بعد أسبوعين فقط على فرار الأسد. بدا وكأنّ جنبلاط أراد أن يعبّر عن بهجته بسقوط النظام الذي اغتال والده ولم يكن باستطاعته أن ينتقم منه أو أن يأخذ بالثأر، وأراد أيضاً أن يحاول مع الشرع تسوية العلاقة مع دروز سوريا بعد التوغّل الإسرائيلي في محافظتي القنيطرة ودرعا وجبل الشيخ عسكرياً، والتوغل سياسياً وأمنياً في بسط الحماية على دروز السويداء أيضاً، تجنباً لسيطرة السلطة الجديدة عليهم، كما كان يسيطر الأسد، من دون مراعاة أي حقوق لهم أو مشاركة في السلطة الجديدة، وهم الذين كانوا المبادرين إلى الثورة ضد النظام. لم يخطر في بال جنبلاط خلال تلك الزيارة أن يسأل عن إبراهيم حويجة، أو أن يطلب مثلاً اعتقاله ومحاكمته في سوريا، أو تسليمه إلى لبنان لمحاكمته في قضية اغتيال والده. لم يكن يعرف ماذا حلّ بالحويجة. ولكنّه كان يعرف أن الحويجة لم يكن إلا المنفذ لعملية الاغتيال وأنّ المسؤول عن القرار كان حافظ الأسد. وحتى أنّ ابنه بشار لم يكن مسؤولاً. وبالتالي فقد وصله حقّه عندما سقط النظام وفرّ الأسد وهو عبّر بوضوح عن فرحه بهذا التغيير الكبير الذي حصل في سوريا وبأنّ حقّه وصله، وأنّ الدهر انتقم ممن اغتالوا والده. وربّما راوده مثل هذا الشعور أيضاً عندما تناهت إليه أخبار نبش قبر حافظ الأسد في مسقط رأسه في القرداحة وإحراقه. أيقن أن الله يمهل ولا يهمل.

ملفّ لا يمكن أن يقفل

بالنسبة إلى وليد جنبلاط كان ملفّ اغتيال والده قد أُقفِل من زمان. هو الذي أراد أن يقفله. اعتقد أيضاً، مثل الحويجة، أن النظام الحاكم في سوريا أبدي لن يسقط ولن يتغيّر، وأن لا مجال للمحاسبة أو للمحاكمة في قضية طواها هو شخصياً منذ يمّم شطر دمشق بعد أربعين والده، ليقول لحافظ الأسد أنّه معه وإلى جانبه، وكأنّه كان يحمِّل والده مسؤولية اغتياله لأنّه وقف ضد ذلك الأسد ولم يقدِّر العواقب.

منذ اندلعت الثورة في سوريا في 15 آذار 2011 وقف وليد جنبلاط إلى جانب الثورة. انتظر سقوط هذا النظام ولكنه لم يسقط.

قبل عام من اندلاع الثورة، في 31 آذار 2010 قصد جنبلاط دمشق للقاء رئيس النظام بشار الأسد. قبل أسبوعين كان اعتذر في مقابلة تلفزيونية عن الإساءات التي وجّهها إلى الأسد في ذكرى 14 آذار 2006، عندما وصفه بألفاظ أقرّ في اعتذاره بأنّها "لم تكن لائقة وصدرت في لحظة غضب".

منذ العام 2000 بدأ جنبلاط في الافتراق عن النظام السوري. كاد يكون أبرز ضحاياه عام 2004 عندما ذهب بعيداً في معارضته رافضاً الموافقة على قرار الأسد التمديد لرئيس الجمهورية اللبنانية إميل لحود. في أول تشرين الأول ذلك العام جرت محاولة اغتيال النائب مروان حماده. لم يكن ممكناً وقتها تحديد الجهة التي نفّذت العملية. كان هناك اقتناع أنّها عملية مشتركة بين "حزب الله" والنظام السوري. في 14 شباط 2005 اغتيل رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري. كان الأسد قد استدعاه في آب 2004 وأهانه بحضور ضباط مخابراته وهدّده بأنّه سيدمّر لبنان على رأسه ورأس وليد جنبلاط، وأنّه هو من يقرّر من يكون رئيس الجمهورية وعليهما الانصياع لقراره. بين وليد جنبلاط ورفيق الحريري وقع خيار الاغتيال على الحريري. لم يكن هذا الخيار يعني أن جنبلاط لم يكن موضوعاً على اللائحة كهدف ثانٍ بعد الحريري، وأنّه من الناجين. تصرّف وكأنّه كان هو الشهيد الثاني الذي لم يقتلوه. ولذلك قاد مع قوى 14 آذار عملية التخلّص من الاحتلال السوري للبنان، ودفع الثمن مرة ثانية في التصدّي لمحاولة "حزب الله"، في 7 أيار 2008، احتلال الشوف وعاليه واغتياله وإحراق قصر المختارة، الرمز التاريخي للحضور الجنبلاطي والدرزي في لبنان والشرق الأوسط.

جثة تحت الجسر

أكثر من مرّة أعلن جنبلاط أنه جالس على الجسر ينتظر مرور جثّة عدوّه. طال انتظاره ولكن هذه اللحظة أتت في 8 كانون الأول الماضي. لم يكن ينتظر جثّة إبراهيم حويجة بل بشار الأسد.

في قضية اغتيال كمال جنبلاط لا يمكن محاكمة بشار الأسد بل إبراهيم حويجة. مسؤولية الأسد تنحصر في أنه استمرّ في حماية منفّذ العملية ولو أنّه استبعده من رئاسة المخابرات الجوية عام 2002.

ينوي وليد جنبلاط طلب موعد من الشرع للقاء جديد معه. لقاء إذا حصل سيكون مثقلاً بقضية الوجود الدرزي في سوريا بعد الاشتباك الذي حصل في جرمانا قرب دمشق، وبعد استمرار ثورة دروز السويداء ضد النظام الجديد، وبعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بسط رعايته وحمايته على دروز سوريا، وتهديد الشرع بأنه سيدفع الثمن إذا تعرّض لهم.

صحيح أن جنبلاط علق بعبارة "الله أكبر" على منصة "أكس" بعد تبلّغه خبر اعتقال الحويجة، ولكن ماذا سيفعل بعد ذلك؟ لقد سبق له أن أقفل الملف وأنهى التحقيقات القضائية بما فيها قضية قتل نحو 177 من المسيحيين في الجبل في ردّة فعل دموية على اغتيال والده. إذا ذهب جنبلاط إلى دمشق والتقى الشرع فعلى الأرجح سيحكيان عن اعتقال الحويجة. ولكن هل يطلب جنبلاط من الشرع تسليمه إلى لبنان؟ هل يفتح تسليمه ملف اغتيال كمال جنبلاط بعد إقفاله؟ هل يطلب من الشرع محاكمته في سوريا؟ وهل هناك ملف في سوريا لاغتيال جنبلاط؟ وهل هناك قضاء في سوريا يمكن أن يحاكمه؟ وهل يمكن أن يتحمّل لبنان مسؤولية تسلّم الحويجة؟ هل يجب أن يعيِّن محققاً عدلياً جديداً في القضية المنسية في ملفات القضاء؟

ربما الأهم من المحاكمة هو المعلومات التي يمكن أن يدلي بها الحويجة التي ستكون اعترافاً ولو متأخّراً بوقائع عملية الاغتيال التي صارت معروفة بمعظمها. ولكنّ الأهمّ من هذه المعلومات هو كيفية تلقّيه القرار بالاغتيال ومن أصدره بالتراتبية، خصوصاً أنّه وقتها لم يكن إلا ضابطاً برتبة صغيرة مسؤولاً عن مركز للمخابرات في منطقة سن الفيل والصدفة وحدها هي التي كشفت العملية التي لا ترقى إلى مستوى العمليات التي تنفذها أجهزة مخابرات محترفة لا يمكن فك شيفرة طريقة عملها لأنها عاصية على الاختراق ولا تترك وراءها بصمات.

نجم الهاشم-نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا